إيف تيريولت
كان لزاما على
"دُرمايون لو غران"، و هو رجل فارع الطول، قامته تتجاوز المترين و نصف
المتر، أن يترك السهل حيث يقيم أمثاله، و يزور قرانا الجبلية حيث الرجال قصار
القامة ، ليقف على حقيقة مفادها: إنه عملاق.
و توصله لهذه الحقيقة،
أشعره طبعا بضيق و كدر ، فقد ترك مكان مولده، و لا يستطيع العودة إليه إلا بعد أن
تهدأ النفوس، و يزول غضبها.
و لكن انظر إلى رجالنا!
انظر إلى نسائنا؟
( و
"درمايون"، لن يستطيع العيش طبعا بسهولة و يسر، دون زوجة، إذ بلغ
سن الزواج و تكونت لديه عادات معينة..)
لكننا لا نملك من النساء
سوى نسائنا المتلائمة مع قياساتنا. و مهما كنا كرماء خيرين، فإن طيبوبتنا
يجب ألا تصل إلى حد الغباء...
و إليكم ما فاه به
"فرنال":
ـ بالنسبة إلي، أنا شديد
التعاطف مع "دُرمايون"، لكننا لا نملك شيئا نفعله لأجله.
لم يكن يعني بـ (الشيء)
العمل طبعا. إنها هبة و نعمة من الله أن تنال ماردا ذا ذراعين أطول و أقوى
من أذرعنا مرتين. حقيقة ، نحن عمال مجدون، لكن قصرنا يعيقنا دون القيام بأعمالنا
على أحسن وجه و في الوقت المناسب، نخطو ببطء، و نصل إلى مبتغانا بجهد جهيد،
نذري كميات صغيرة من الحبوب، و تتضافر جهود اثنين منا لجز الصوف و أحيانا
جهود ثلاثة إن كان المجزوز كبشا.
و إليكم هذه الواقعة:
يملك " بارنو"
كرما جبليا، معطاء. لكن المرض ألزم " بارنو" الفراش في أحد مستشفيات
المدينة، فانشغلنا بإزالة كتل الجليد الهائلة جراء انهيارين ثلجيين، و
بأمطار طوفانية قاسية، جعلت الأوحال تتراكم فوق طرقاتنا، و تتلف نصف محصولنا من
الغلال، و كل هذا من أجل القول إن كرم " بارنو" يشمخ نحو الأعالي،
متجاوزا الصخرة و مستقرا هناك بين السماء و الأرض، تنفيسا لنا و تخفيفا من عقدة
قاماتنا القصيرة.
إذن، ما الذي فعله
"درمايون" منذ اليوم الأول لمجيئه؟...
ذهب إلى الأعلى، حاملا
سلما، و مد ذراعيه المديدتين، و قلّم، و قصّر، و شذّب الكرم، بحيث صار يبدو
في أبهى زينته، و شموخه.
ـ يجب أن نعثر له
على امرأة في طوله، (قال " بريتون مورغان" ذات مساء)، فنحن مدينون
له بهذا و بأكثر من هذا ألف مرة. ألا تعترفون أن حقولنا صارت معطاء أكثر، و
أعمالنا تنجز بجودة و في وقت أسرع؟ فبينما يقوم " درمايون" بكل الأعمال
في الأعالي، نحن نجد المتسع من الوقت للقيام بأعمالنا في الأسفل على أحسن وجه...
كان هذا القول يحمل في
طياته حكمة عميقة...
في هذا المساء، و في هذا
النزل، و بعد نقاش طويل حول مائدة كبيرة، كما العادة كل مساء، منذ أن حل بيننا
" درمايون"، في هذا المساء، كما قلت لكم، كلفنا
"مورغان" بأن يذهب صباح اليوم التالي، إلى السهل بحثا عن امرأة
تناسب طول " درمايون "، و يدفع مهرها المطلوب، و إن اقتضى الأمر دفعه
غاليا، و ذلك كي يعود بالفتاة و تقيم بيننا.
ـ موافق..قال "
مورغان "...سوف أحضر كيسا مملوءا ذهبا، إذا اقتضى الأمر ذلك، و لن يقضي
عملاقنا أمسياته، بعد الآن، منزويا وحيدا في مسكن خرب دون امرأة.
و في اليوم التالي، سرى
الخبر بين البيوت كلها،... "مورغان " يبحث عن أنثى ساقاها
تتناسبان و ساقي " درمايون "...
ما الدافع لكل هذه
الابتسامات الغريبة ! ؟...
" آديل "،
" آديل " الطيبة، التي ترفع ساقيها عند الحاجة و دون كلفة، قهقهت
عاليا...
ـ أنتم حمقى..قالت ...و
مغفلون...سيروح ذهبكم هباء. فبينما كنتم،أنتم تتناقشون، طوال الأمسيات في النزل،
لم يكن ضيفكم "درمايون" ينام البتة. كان يزور أسركم، و يثبت على الرغم
من عملقته، أن الجماع المضبوط يتم في العري و دون جهد.
و الدليل على ما أقول، أن
لدينا الآن، في قريتنا، منذ أن حل بيننا "درمايون"، أي منذ سنة و أكثر،
أربعة من الأزواج التوائم الأقوياء، و ستة أطفال، على الأقل بسيقان طويلة، و
دزينتان بل أكثر من النساء اللواتي ما عاد يرهبهن العمالقة ، و حتى الغيلان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1983/1915
( إيف تيريولت Yves Thériault)، روائي و قاص كندي شهير. ابن أسرة
متواضعة الحال. ترك الدراسة في سن الخامسة عشر، ليعمل خادما في مكتبة، حيث ربط
علاقة أدبية مع كتابات زولا و حكايات بيير لوتي و بلزاك، فتفتحت شهيته للحكي...و
بفضل معرفته للغة الأنجليزية، انفتح على الأدب الأنجلوساكسوني و تعلق خاصة بكتابات
هيمنغواي....ليصبح فيما بعد من أشهر الكتاب الكنديين.
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire