حوار مع شاعرة القدس

أترك تعليقا
أجرى الحوار
* عبدالكريم القيشوري

1.بداية كيف يمكن أن تقدم المبدعة ليلى مهيدرة نفسها لزوار موقع الوكالة العربية للصحافة ؛ و بأية لبوس تجنيسي؟ 
هذه أنا، سليلة الجدة شهرزاد ، خرجت ذات مس من سربال امرأة عشقت السرد ونسجت من عهن  الكلام هواجسها وحكاويها، كنوع من التعبير عن ذاتها وعن رؤيتها وتصوراتها لزمنها ، بحثا عن سموات أخرى أكثر واقعية وجدارة ورحابة.. أنا بكل بساطة امرأة تصمت لتطلق العنان لقلمها فما أجمل أن نعلن انهزامنا أمام سطوة الحروف ونقاءه ونخرج على قوانين نمطية العيش و نستشبح فوق الأوراق جسدا خاملا حينا متمردا أحيانا فتكون حركاتنا وسكناتنا لوحة فنية تتشكل لنكون نحن وتكون صرخاتنا قصيدة ورقصاتنا قصصا وتخيلاتنا نصا روائيا فحياتنا جنسا أدبيا مخضرما نكتبه بأجسامنا ورغباتنا وهيامنا بالكلمة الصادقة. ونسجله على الورق. 

2- ديوانك الشعري " هوس الحلم "كما قدم له ذ رشيد أمديون عبارة عن بساط سحري يسافر عبره القارئ بالعاطفة والروح إلى عالم مليء بالإحساس.. هل العقل مغيب بهذا المنظور في نظرك؟ 
أستحضر بهذا السؤال إلى الذاكرة مواقف الفلاسفة القدماء من الشعر وهي في مجملها مواقف رافضة متوجسة من خيال الشعراء وإيغالهم المفرط في الخيال وأحلام اليقظة ولعل كلمة غاستون باشلار " كم سيتعلم الفلاسفة لو وافقوا على قراءة الشعراء ! ، فيها بعض من جواب. 
إن أي كتابة كيف ما كان نوعها ليست بمنأى عن العقل ، فالشعر له ضوابطه وشروطه العلمية وتتقاطع جمالياته مع واقعية العقل في وجوده الخفي ، وفي تخفيه وراء ستار الأحاسيس والمشاعر والرؤى ، دون الجنوح الى ما يتنافى و الخط الأحمر ، وحتى نقول ما يقبله العقل ونحجم عن ما دون ذلك.. فنحاكم من شئنا ونجرم من نحب لنصل في نهاية المطاف الى الإقرار بأن الجنون هو تعقل من نوع آخر، تمرد على الطبيعة المنطوية فينا ، ولعل ديوان " هوس الحلم " هو سفر في الطبيعة الإنسانية يتهكم حينا ويمعن في التجريد أحيانا ذلك أنه حتى في تصوير الحلم العاطفي يوجد هناك عقل وخيال وواقع وهوس عاطفي في العلاقات الأزلية بين الرجل والمرأة .. ديوان "هوس الحلم " تصور لعدة أشياء وظواهر أنطلوجية مرصودة بعيون امرأة يتشابك فيها الواقعي بالقومي بالأخلاقي وصوفي لأقول على الملأ هذه أحلامي ، لأنه و كما يعبر عن ذلك غاستون باشلار أيضا بقوله “إن وظيفة الشعر الكبري هي أن يجعلنا نستعيد مواقف أحلامنا 

3- تيمات قصائد الديوان تمتح من مخزون نفسي جواني يعبر عن غل انفجر كبركان لتذويب جليد الانفعالات المعبر عنها بلغة الشعر؛هل توافقي هذا الرأي ؟ 
أؤمن أن القصيدة هي مشهد جواني ووجداني وروحي بعيدة كل البعد عن مشاهد الغل الذي يعني نوعا من العداوة والحِقد الكامن.. وفي التنزيل العزيز : ( وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ ) : الأعراف آية 43.. وبالتالي فهي تطرح بشكل من الأشكال التعايش والتفاهم و التعامل الإنساني بين الذكر والأنثى بشكل خاص ، والمعاملات بين الناس بشكل عام، فتقوم بتصوير الحياة اليومية وما يكتنفها من تآلف واختلاف وتقارب وتباعد ومد وجزر بين الجنسين وبالتالي تعبر بحدس صادق عن سبل هذا التعايش ولكل ما يخالج النفس الإنسانية من هنات عاطفية ونزوات وتطلعات.. لنقل أيضا إنها ردة فعل ونوع من التعبير عن الذات ومكنوناتها بشكل أو بآخر.. وحتى حينما نتعرض للطرح القومي في مفهومه الكوسموبوليتي فهو تصور تفاعلي مع عدة أحداث ومواقف عربية وعالمية راهنة تتعلق بفلسطين والقدس والعراق والأمة العربية من خليجها لمحيطها وهي تجتر وتكابد معاناتها وضعفها وعجزها وأزماتها الحادة والمزمنة وسخافة حكامها، وتعبر عن وجهة نظر في أمور معينة سواء بالتحفيز أو حتى بالسخرية السوداء والدعابة اللاذعة عن الحقيقة المرة التي تصور أحيانا إحباطنا وعجزنا الكامل إزاء أمور معينة. 

4- هل ماتت اللغة ومن خلالها مات الشاعر.. فلنقتل القصيدة كما جاء في عنوان أحد قصائدك . كيف؟ 
مفهوم "قتل الشاعر " يوازي نظرية موت المؤلف في النقد الادبي، والذي يعني تحليل النص الأدبي ونقده بمعزل عن تأثير مؤلفه، وقد نشأت الفكرة مع مجيء الشكلانيين الروس و البنيوية والنقد الحديث والمبنية على إقصاء المؤلف وتاريخ النص والتعامل معه كجثة هامدة، ورغبة أيضا في الخروج عن المناهج النقدية العتيقة التي كانت تدرس النص في سياقه التاريخي وبيئته. ويقول رولان بارث بصدد " موت المؤلف " ( المؤلف ميت والعمل الأدبي خالد )، حينما أشار إلى أن اللغة هي التي تتكلم داخل حيثيات العمل الأدبي وليس المؤلف، لأن النص حمال أوجه وقابل للتأويل، وخرج عن تحكمه وملكيته لحظة الانتهاء من كتابته.. ذلك أن القارئ يهمه النص أكثر مما يهمه مؤلف النص..
وحينما تقول القصيدة * مات الشاعر .. فاقتلوا القصيدة * وهذا دليل على رد الاعتبار لقيمة الشاعر في التعبير عن زمنه، وعن وجهة نظر المثقف من القضايا، فالشاعر هو لسان حال القبيلة، والمؤرخ المعبر عن وطنه وانتماءاته بشكل معين هكذا كانت تحتفل القبائل العربية بميلاد شاعر بين أبنائها، لأنه المنافح عنها والمدافع عن كرامتها والرافع من شأنها، وبدونه لن تقوم لها قائمة، وهذا سيف ذو حدين فهو مطالب بالتصوير الدقيق والمحايد كما مطالب أيضا بالحفاظ على لغة أدبية متينة ومميزة ورصينة. لذا عندما يموت الشاعر تظل قصيدته شاهدا عن زمنه وعن وجهة نظر أناس عاصرهم وهي نوع من المحاسبة الذاتية للمتتبع وكما تقول القصيدة
*مات الشاعر
فاقتلوا القصيدة ما عدنا بحاجتها
ولا نريد عن عصرنا الذليل 
من دليل* 

5- يطلق عليك لقب خنساء الصويرة. هل لهذا اللقب من دلالات ؟ 
كنت دائما أجد في الألقاب نوعا من التصنيف الاعتباطي والحصر لقدرات الشاعر والأديب بصفة عامة لكن يظل اللقب لذة المنادي به لا المنادى عليه، ومن حضروا حفلاتي يحلوا لهم تلقيبي هكذا، وإن كنت أدرك أن لقب الخنساء الذي صار متداولا وطنيا وعربيا.. كبير بالنسبة علي وتشريف عظيم لا أستحقه صراحة موازاة مع ما قدمته نلك المرأة العظيمة للشعر العربي وما تكبدته من خسائر وما عانته من أوصاف حتى تكسرت النصال على النصال كما يقول المتنبي، وهو في الآن إحالة على نمط شعري معين بقدر ما هو تأسيس لتعبير توجيهي يرمى من خلاله إلى الإشارة لعنصرين أساسيين في حياتي الشعر والمرأة كنوع من الخصوصية، دون نسيان عنصر ثالث وأساسي وهو الانتماء للوطن لأني عشقت مدينة الصويرة إلى حد لا يوصف، هذه المدينة التاريخية بكل مقوماتها الحضارية والثقافية و الإثنية ومكاسبها الاثنوغرافية واللغوية والعرقية، لكنني لو خيرت ما اخترت غير *هوس الحلم* لقبا كما كنت ألقب بذلك في المنتديات العربية الأدبية فهو أقرب لذاتي وكياني والأجدر بالتعريف بي . 

6- كان لك شرف نيل لقب شاعرة القدس من قبل جمعية القدس للتنمية والتضامن الفلسطينية من خلال قصائد ضمها ديوانك " هوس الحلم" وأخص بالذكر هنا قصيدة " محاكمة ناجي العلي" . كيف تلقيت النبأ ؟ 
علاقتي بالقدس هي علاقة نفس سائر الشعراء يتجاذبها إحساس بالارتباط المقدس والدم وحب مطلق وعشق متبادل للحرية والوطن.. وعندما شرفني المقدسيون بحضور حفل تكريمي وسماعهم لهذه القصيدة كان الوقع بليغا على ملامحهم، فكل فلسطيني هو حنظلة بكل عنفوان انتمائه بالرفض التام لكل أنواع الخنوع والانبطاح والعمالة والتشريد والاجتثات، بالفكر المجسد له من التجاهل المعتاد من ذوي القربى، لذا عندما نطرح نصا يحاكم ناجي العلي ويتهمه بالخيانة العظمى وبإعطائنا ظهره بالشكل الذي عرضت به الايقونة، فهذا أمر يحيل حتما على إحساس ونفسية كل فلسطيني وتبرئته من الملامة إن لم يستطع الآخرون التعرف على ملامح حنظلة ومواقفه الغاضبة، ولكي تدرك ملامح حنظلة المعادل الموضوعي للقدس والوطن السليب.. فعليك أن تقف على سور القدس كما قال أحد فلسطينيي الشتات هكذا بعفويتها وإيمانها بالقضية المقدسة لشعبنا بفلسطين وإيماننا القوي بحقه التاريخي في استرجاع أرضه جاءت هذه القصيدة وعلى إثرها تم تلقيبي بهذا اللقب وهو بغض النظر عن وجهة نظري من الألقاب إلا أنه شرف لي أن يقترن إسمي بزهرة المدائن الغالية..

7- وهل لبيت دعوة الاحتفاء بك وتكريمك من قبل الجمعية بالقدس ؟ 
واجب الأمومة والتزاماتي المهنية منعاني من السفر للقدس لكنني تلقيت تكريما أكبر بحضور أعضاء جمعية القدس بوفد رسمي في حفل توقيعي، كما أني حصلت على أكثر من شهادة فمكتبتي الآن تحتوي بعضا من تراب المسجد الأقصى وقبس من زيت بيت لحم وقطرات من ماء نهر الأردن حتى أصبحت أردد مع الشيخ الأكبر ابن عربي
قد صارَ قلـبي قابلاً كلَ صُـورةٍ = فـمرعىً لغـــــزلانٍ ودَيرٌ لرُهبـَــانِ
ِوبيتٌ لأوثــانٍ وكعـــبةُ طـائـــفٍ = وألـواحُ تـوراةٍ ومصـحفُ قــــــرآن
وهذا تكريم لا يضاهى أتلمسه كل حين وأتبرك به كل يوم وربما يذكرني إلى أني أخطأت مرة حين اعتبرت في إحدى قصائدي أن تراب الوطن لو حملناه بجيوبنا يفقد الخريطة مصداقيتها.. فالقدس وحواريها وأزقتها وساحاتها وعرصاتها الآن موشومة بداخلي برمزية عالية جدا. 

8- احتفت بك مجلة عربية تصدر من البصرة تدعى بمجلة بصرياتا العراقية في سنة 2012من بين إحدى وعشرين أديبا عربيا. كيف كان وقع اختيارك ضمن هذه الثلة 
بصرياثا هي الاسم الثاني للبصرة ، وتسميتها بهذا الاسم لم تكن عبثا، فهي أيضا عنوان رواية المبدع الكبير محمد خضير، ويرأس تحريرها الكاتب والشاعر والإعلامي العراقي عبد الكريم العامري وهو من شرفني بتصميم غلاف ديواني البكر "هوس الحلم"، وقد كنت أنشر بها حتى قبل أن يكون لي إصدارت، وكان اختيار اسمي من بين واحد وعشرين أديبا عربيا ومن ضمنهم المبدع الكبير والموسوعة العلمية أستاذي المهدي نقوس تتويجا لمسيرتي الابداعية مع هذه المجلة ومع تلك الكوكبة من المبدعين، وهو تكريم لي ولكتاباتي وتشريف لم أكن أتوقعه أبدا وهي مسؤولية عظمى تتطلب مني الكثير من الجد والجهد ووضع نفسي في مقارنة دائمة مع هذه الأقلام، وتذكرني بأنني قد حظيت بتكليف خاص علي أن أسعى دوما لأكون في مستوى التشريف هذا، وبالتالي السعي كي أكون في مستوى المسؤولية.. فتحية للأدباء بالعراق الشقيق. 

9- ليلي مهيدرة شاعرة وقاصة ومشروع روائية في المستقبل . أليس كذلك ؟ 
الحمد لله صدر لي لحد الآن وبعد ديواني الأول "هوس الحلم " مجموعة قصصية تحت عنوان "عيون القلب " وهناك ديوان قيد الطبع بعنوان " وشوشات مبعثرة " قدم له الناقد العراقي حيدر الأسدي، وأتهيأ الان لكتابة رواية سوف تكون بالنسبة لي نوعا من التحدي لتجربتي المتواضعة خاصة وأنني أحاول من خلالها رسم مسار معين للبطلة لتكون المعبرة عما تعانيه الأنثى ما بين رغبات ذاتية وحصار المجتمع وما بين صراع المؤلف في كتابة نص مستقل عنه وفي نفس الوقت التدخل بنوع من الحيطة، هي على العموم تجربة أتمنى أن أنجح في إتمامها وحتى تكون تكريسا لإسمي في مجال هذا النمط الأدبي المميز . 

10- مشاريعك الإبداعية مستقبلا في أي من الأجناس تتحدد ؟ 
يصعب التكهن بأمر كهذا تحكمه المواضيع والظرفية ورهين بالمستقبل ، وبالتالي أي توقع للجنس الأدبي المرتقب هو ضرب من الخيال ورجم بالغيب ، مع العلم أنني أجد متعة أكبر في كتابة الشعر وفي رصد حروف الرواية كما أن بي ميل كبير للرسائل الأدبية لما تكتنزه من عواطف وأحاسيس إنسانية وكوثيقة تاريخية وأنثروبولوجية مهمة ، لكنني ولأكون صادقة معك ومع نفسي أعتقد أن الساحة الأدبية أصبحت تعرف رواجا على مستويات الكم والكيف حتى صارت السرود وفنون القول الأدبي تتخذ منحى نصوصيا دون تحديد أجناسي معين، وهذا أمر محير لا أستطيع حتى الآن البت فيه بالرغم من أنني أتمنى أن نحافظ على  نقاء الجنس الأدبي ، وبقاء الفيصل بين الأنواع الابداعية.. 

كلمة أخيرة لشاعرتنا 
هي كلمة شكر لكم أخي كريم على هذه الفسحة التي أتحتم لي من أجل البوح بما يختلج في صدري من أشجان الكتابة وشجونها .. ولتبادل وجهات النظر والتعريف بإنتاجاتي الأدبية وتحية شاهقة لزوار موقع الوكالة العربية للصحافة . 



حوار مع شاعرة القدس

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire